21 May 2008

إكتئاب




كنت جالسا في غرفة تطل على الشارع

يبدو ان الجدار الذي يطل مباشرة على الشارع قد تم استبداله بحاجز زجاجي سميك

الزجاج متسخ، لم يتم تنظيفه منذ تم تركيبه عشوائيا بواسطة بعض الهواة الغير متخصصين

الرؤية معتمة، أرى الناس بالخارج كالأشباح من فرط اتساخ الزجاج.هل هم أشباح حقا أم اني فقط أراهم هكذا؟؟تأتيني أصواتهم أيضا خافتة غير واضحة ، فلا أسمع غير صوتي أنا

أنا جالس على الكرسي - الذي كان مريحا - أراقب الناس بعين ناعسة وراء الزجاج المتسخ ، أنتظر أن يأتي واحد لتنظيف الزجاج ، و أتناول أنا رقائق الشيبس ، أنظر إلى الشارع

الليل و النهار يتعاقبان و الوضع لا يتغير ، لا تزال الرؤية معتمة و لايزال الصوت خافتا

بعد يومين ، أو شهرين ، أقوم ، أكسر الزجاج المتسخ

سألني: هل أنادي العمال لتركيب زجاج جديد ؟ أجبت : كلا ، هكذا أوضح

13 May 2008

فلسطين ليست عربية

-كنت امشي في الجامعة حينما شرع بعض الاشخاص-المحسوبين على تيار الإسلام السياسي-في توزيع مسابقة (ثقافية) و كانت الجائزة الكبرى ممنوحة لمن يجيب على السؤال التالي: كيف تدلل -بايجاز- على عروبة فلسطين؟

لما قرأت هذا السؤال سألت الشاب الذي قدم لي ورقة المسابقة : و هل فلسطين حقا عربية؟؟ و كانت إجابته حاضرة "اه طبعا !" مع قليل من ارتفاع الحاجبين و اتساع العينين دلالة الاستغراب-و ربما الاشمئزاز-من طرح سؤال حول هذا الشئ المقدس الذي لا غبار عليه.

-إذا لم نسأل؟ السؤال-عادة- يأتي للشك ، أو لايجاد دليل ،و لكن هذا السؤال بالذات بلا معنى ، فنحن لسنا في درس فيزياء نحاول اثبات كروية الأرض لنلم بالخطوات و طرق التفكير العلمي المنظمة التي اتبعها السلف الصالح في الفيزياء ، إنما قضية فلسطين لا تنفع فيها الحتميات من قبيل "فلسطين عربية" أو "اسرائيل دولة اليهود".

-ما الخطوات التي يتبعها مريدي العروبة و القومية لأجابة هذا السؤال؟ انه يلجأون إلى التاريخ ،ذلك الكائن المسخ الذي يهيمن على عقول البشر كفيروس خطير لا نجد له علاجا حتى الآن في المنطقة العربية. التاريخ الذي كتبه المنتصرون ،و الذي شوهه-أحيانا-اللاحقون لمصلحتهم ، انه التاريخ الذي لن تتثبت من صحته الا إذا تطورت علوم الفيزياء لتوجد لنا آلة الزمن!

-سنعود إلى الماضي السحيق ، إلى ما قبل العروبة حتى ، لنثبت ان سكان فلسطين الاصليين من العرب. أي عرب؟ أي عرب و العربية لم تنطق بعد؟

-يرد عليك مقدسو العروبة : الجنس العربي ، أو القبائل التي تحدثت العربية فيما بعد!
-آه! هنا تختلف المسألة. ليست إذا قضية لغوية بحتة ، إنما يدخل فيها التعصب العنصري العربي ،فطالما سكنتها قبائل تحدثت العربية فيما بعد ،إذا فلسطين عربية!

-لو اننا سنعود إلى الماضي السحيق بهذه الطريقة فسيكون علينا هدم الكرة الأرضية و إعادة بنائها من جديد ،سيكون علينا طرد السكان البيض في استراليا و أمريكا و اعادتهم إلى أوروبا ،و لكن أي أوروبا؟ ان منهم -بل اكثريتهم - من هو نتاج أجناس أوروبية شتى تزاوجت معا في العالم الجديد . سنعيد الأفارقة السود إلى افريقيا ،و لكن أين يذهب من هم على شاكلة باراك أوباما ذي الاصول المهجنة؟إلى أوروبا أم افريقيا؟ أم نشطرهم نصفين؟؟! هل نتسامح إذا لو طلب البربر طرد العرب المحتلين ، سواء بحجة اختلاف العرق أو اللغة،أو من سكن الأرض أولا ، كما نبرر عروبة فلسطين؟هل سيطالب سكان شرق افريقيا من الزنوج بطرد ذوي الاصول العرقية الغير نقية من ساحل القارة الشرقي ،و الذين نتجوا من التزاوج مع العرب العمانيين عندما كانوا يسيطرون على الساحل؟

هل و هل و هل ..... هل نقلب الكرة الأرضية من أجل اثبات عروبة بقعة من الأرض؟
-هذا المنطق -الذي يتخذ من التاريخ مرجعا- غير ملائم ابدا لفلسطين. ثم أي تاريخ يراد به المرجعية :التاريخ القديم منذ ان وطأت قدما أول إنسان الأرض بعد النزول من على الشجر؟ أم العصر الحجري ، أو عصر ما بعد بدء التدوين باختراع الكتابة؟ أو نختار مرحلة العصور الوسطي لنضمن تماما ان يكون سكان فلسطين من العرب؟ و على أي أساس سنختار مرحلة تاريخية بالذات بدون غيرها؟

-لا أحب ان يتم استدراجنا بواسطة المعتدين الاسرائيليين لاستخدام منطق مغلوط. منطق التاريخ كان منطق الصليبيين ،و هو نفس منطق الاسرائيليين . و كذلك-بالحرف- منطق الدين. مثل هذه الأساليب لاثبات انتماء الأرض لمجموعة من الناس لا تحدي نفعا ، فلو كانت لديك حجة ،ستجد لديهم ألف ألف حجة. لكل هذا فانني لا ارى فائدة كبرى تعود على العرب بمغالطة العالم و العقل باستخدام الأسلوب التاريخي لاثبات انتماء فلسطين للعرب.كما ان استخدام الدين لا ينفع أيضا ،فلو صرفنا النظر عن ان الدول العلمانية الغربية لن تلتفت لهذه الادعاءات ، فهذا المنطق قد يستغل بشكل أفضل و أكثر اتساعا لتقسيم لبنان إلى نصف مسلم و آخر مسيحي . كما ان استخدام اللغة لاثبات انتماء فلسطين للمنطقة الناطقة بالعربية قد يعمل على تقسيم العراق و سوريا (الاكراد) و مصر و السودان (النوبيين) و بلاد المغرب (الامازيغيين).

-بأي شكل من الاشكال ،فإن محاولات اثبات عروبة فلسطين يعد نوعا من العنصرية و التعصب المقيت الذي ينفر منه كل إنسان يحب الانسانية و يسعى للسلام ،و هو نوع من (أقلمة) القضية ليتم تداولها بين الاقاليم العربية ،بدلا من جعلها قضية انسانية دولية تهم الإنسان أيا كان عنوانه ،و مهما اختلف دينه أو عرقه أو لغته.

-قضية فلسطين قضية انسانية حقوقية بالمقام الأول، قضية شعب تمارس ضده أفعالا عنصرية من جاره في الأرض ،أرض فلسطين ،لنطالب بوقف العنصرية الاسرائيلية ضد السكان العرب ،و بالمثل -و بالتوازي- توقف العداء العربي للاسرائيليين . انها قضية لاجئين يحنون لوطن عاشوا فيه أطفالا قبل تهجيرهم رغما عنهم ليشبوا خارجه و لكن لم يمت بداخلهم الحنين لملاعب الطفولة. و على الجانب الآخر نجد شعبا اسرائيليا هاجر جيله الأول منذ أكثر من 60 عاما ، فنشأت على أرض اسرائيل أجيال لا تعرف وطنا الا اسرائيل ،و أي محاولة لطرد هؤلاء من منازلهم لن تقل في بشاعتها عن طرد و تهجير السكان العرب منذ أكثر من 60 عاما.

-ان حركة حماس و مختلف الميليشيات الاسلامية المسلحة في فلسطين تمارس العنف ضد اسرائيل من منطلق ديني ،فتعطي بهذا الحجة لاسرائيل و قادتها لتطالب بالنص على ان تكون اسرائيل دولة لليهود فقط في حصر يهدد بمأساة جديدة و هي طرد السكان العرب المقيمين باسرائيل و المعروفين باسم عرب 48.

-لقد كان خلق اسرائيل داخل الأراضي العربية خطيئة كبرى من خطايا القوى الاستعمارية في النصف الأول من القرن العشرين ،و كان استمرار الانحياز الأمريكي -بالذات- إلى جانب اسرائيل في مذابحها المتكررة لأبناء العرب خطيئة أخرى ،و كان إهدار الطرفين -العربي و الاسرائيلي - لفرص السلام المتكررة خطأ مازحا من كلا من الطرفين ،و كل من العرب و الاسرائيليين مسؤول عن الوضع السيئ للفلسطينيين حاليا.

-قضية فلسطين لم تكن نكبة على أهلها فقط ،بل كانت مصيبة على الجيران العرب ، خصوصا بعدما انتهزت الأنظمة العربية الفرصة لشد انتباه الشعوب بعيدا عن فسادها و اخطائها و عدم صلاحيتها لادارة البلاد ،و ذلك بالشعارات التي تشبه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" ،مما ادى إلى تفويت مراحل تاريخية ثمينة كان بامكانها ان تحول دولنا إلى دول ديموقراطية ،و ربما متقدمة أيضا.

-فلسطين لا ينفع معها الحل المطروح حاليا و هو دولتان بحدود مشتركة،فعلى أي أساس يتم رسم الحدود؟ سنة 47 أو 67 أو ما قبل الانتفاضة ؟ ان الحل المطروح الآن لا يجعل من فلسطين -التي ستكون-الا دولة تشبه ارخبيلات المحيط الهندي بعد التوسع الاستيطاني الاسرائيلي -الذي لا يزال مستمرا- في أراضي الضفة الغربية ،فتقطعت فلسطين إلى ما يشبه "الجزر الفلسطينية في بحر اسرائيل". الدولة المطروحة بهذه الهيئة ستتكون من جزيرة غزة الكبرى و مجموعة جزر الضفة الغربية تربط بينها جسور و انفاق، ستكون خاضعة تماما لسلطة الدولة الاسرائيلية و تحت رحمتها ، الدولة المطروحة -حسب آخر معطيات مؤتمر أنابوليس-سيكون عليها بمساحتها المحدودة الخانقة ان تستوعب أبناءها و العرب الاسرائيليين -الذين سيتم طردهم لتحقيق يهودية اسرائيل- بينما ستبقى قضية اللاجئين بلا حل ،و كذلك سيظلم أحد الطرفين- الفلسطيني غالبا -في موضوع القدس التي يراها كل من الطرفين حقا أصيلا ، و لكل منهم اثباتاته التاريخية.

-الحل العادل برأيي سبق ان طرحه الكثير من المفكرين ،و هو دولة واحدة تجمع الفلسطينين و الاسرائيليين في قومية واحدة ،دولة علمانية تتخذ من المواطنة و احترام العقائد و نبذ العنف دستورا لها ، دولة تكون حقا مثالا للانسانية و اثباتا على قدرة الإنسان على التسامي فوق التعصب و القبلية و سيطرة الكهنة.

-ما السبيل لتحقيق هذه الدولة الواحدة الجديرة بالاحترام؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي حقا ان يسأل و تقام من أجله الندوات و المؤتمرات ، اما مجاراة الاسرائيليين في مسابقة :"من تواجد على هذه الأرض أولا؟" فليس بالأمر الحكيم.

-حل القضية يكون بتدويلها ،و اخراجها من قضية تخص العرب إلى قضية تخص الإنسان ،و تحويلها من قضية صراع عربي اسرائيلي إلى صراع بين أنصار المدينة و السلام و المواطنة على جانب ،و أنصار التعصب و التطرف و العنف الديني على الجانب الآخر ،صراع بين الإنسان المتحضر و الإنسان البربري سليل العصور الوسطى ،حيث يحل السيف-الاصدق أنباء- محل الكتب.

04 May 2008

طائرة ورقية

-أجدني في فراغ ، ان شئت قل اني تفاجأت اني موجود اصلا!

-من انا؟ و لم ؟ و لم هنا بالذات؟

-أرى اصابعي تلتقط التساؤلات و تشكلها ، تظهر بيدي طائرة ورقية بيضاء لها ذيل طويل ، و اجدني مدفوعا برغبة ما الى اطلاق الطائرةفي الهواء الذي بدأ يهب، و كأنني سأجيب عن الأسئلة اذا ما طارت الطائرة

-أخشى على الخيط الابيض الذي يربطني بها من الانقطاع ، امسك به جيدا، بمرور الوقت كانت سرعة الهواء تزيد ، و كان لا بد من الاجابة عن الاسئلة، فالهواء سيطيح بي بعد فترة طالت او قصرت، كما انني لا انوي البقاء هنا الى الأبد، ما معنى الأبد؟

-الطائرة الورقية لم تجب عن الأسئلة بعد، فلأرفعها قليلا الى السماء-الوقت يمر ، ولم تنطق الطائرة بعد، يبدو انني نسيت: لماذا تركت الطائرة تنطلق في الهواء؟؟ لا أعلم ، و لكن ربما سأقاسي الاما من نوع خاص اذا تركت الطائرة تفلت؟ آه .. نعم.. الأمر هكذا بالتأكيد، و الا فلتفسروا لي تمسكي الشديد بخيط طائرتي الورقية؟

-نسيت الهدف تماما ، و صار زيادة ارتفاع الطائرة الورقية في السماء هو هدفي،،و به سأجني الخير،. من قال هذا؟ لست اذكر بالتحديد ، ولكني اشعر به، و هذا يكفي!!ا-

-اسرع من وتيرة رفع الطائرة الورقية الى السماء و انا متمسك تماما بالخيط،فالخيط سيهديني الى طريق الخير ، و في افلاته عذاب واقع،و الجو يزداد سوء حتى بدت سرعة الهواء اشبه بعاصفة.-ازدادت سرعة الرياح، او قل تضاعفت فجأة، الهواء يحرك طائرتي الورقية بشدة و الخيط يكاد ينقطع،أحارب الهواء و احاول انزال الطائرة حتى لا ينقطع الخيط ، فتضيع ، فأضيع!

-انقطع الخيط أخيرا... ضاعت الطائرة... ياويلتي!أغمض عيني استسلاما لألم قادم، و لكن... لا ألم ابدا!!!ا

-هدأ الهواء مرة واحدة حتى أصبح نسيما- تعود الأسئلة مرة أخرى: من أنا ؟ و كيف؟ و لم هنا بالذات؟ و يضاف اليها سؤال جديد : ماذا حدث؟

-لدهشتي و عجبي تظهر في يدي طائرة ورقية جديدة اكبر و ذيلها اطول و الوانها اكثر ، و هاتف بداخلي يهتف: اطلق الطائرة!!