14 March 2008

هل حقا التغييرممكن؟

إلى الطبيب المحترم د\أوسم وصفي

قرأت تعليقك على موضوع"للوقاية من المثلية الجنسية"المنشور على مدونة يوميات كريم، و أدهشتني آخر كلماتك في التعليق ،و التي كررت فيها عبارة"التغيير ممكن" مرتين متتاليتين.بدت لي هذه العبارة أقرب إلى عالم الدعاية السياسية منها إلى علم النفس-بدون أن اقصد أي إساءة.أقول بدت أقرب إلى الدعايات السياسية لأنها عبارة مطلقة، و تحوى من الأحلام و الوعود الزائفة أكثر مما تحوي من اللحقيقة و المنطق.كنت عند كريم مرة و سألته عنك-بعدما نشركريم رسالتك المذكور فيها الدراسة المزعومة-فعرض لي مقتطفات من الحلقة التي سجلتها أنت مع الطبيب النفسي د\هشام حتاتة و المذيع محمود سعد في برنامج اليوم السابع على قناة إم بي سي الفضائية.لفت نظري أن المذيع عندما سأل د\هشام عن نسبة نجاح الطب النفسي في تغيير سلوك المثليين جنسيا وجدتك أسرعت تنبه د\هشام ليذكر مفهوم العلاج النفسي.قال د\هشام أن مفهوم العلاج النفسي هو الاستمرار في عقد جلسات أسبوعية مع المعالج النفسي بصفة مستمرة لمدة سنتين على الأقل ليبدأ عندها (المريض) في تغيير طريقة تفكيره.

اضغط هنا لمشاهدة الجزء من الحلقة الذي ذكر به د/هشام هذه المعلومة

أحب أن أوضح لك أنني و حتى وقت قريب كنت مواظبا على العلاج مع أحد الأطباء المشهورين و أتذكر أن تكلفة الجلسة الواحدة كانت 100 جنيه تقريبا كنت أدفعها كل شهر-لأن الجلسات كانت شهرية و أحيانا كل 3 أسابيع و ليست أسبوعية-أضف إلى هذا مبلغ مدفوع في الأدوية المضادة للاكتئاب الذي لازمني بعد شهرين من بدء الجلسات. انتهى الأمر إلى إفلاس تام لي، حيث كنت وحدي تماما مستندا إلى مدخراتي التي تجاوزت وقتها ألف جنيه مصري تصورت أنها تغطي نفقات العلاج و لكنها تبخرت جميعا في أقل من سنة، بل لجأت أحيانا إلى التعدي على مدخرات أبي و أمي لتوفير المال اللازم للجلسات، فأصبحت كالمدمنين الذين يتعدون على مدخرات أسرهم من اجل انفاقها على ما يخدر أعصابهم و يغيب وعيهم.و لا أقصد هنا التلميح بأي إساءة انما هي سخريتي المريرة من الحال التي وصلت اليها.كل هذا بعد انتظام لمدة أقل من عام-تسعة شهور بالضبط- و بجلسات شهرية و ليست أسبوعية كما أرادها د\هشام، و أنا أحسب نفسي من الميسورين ماديا، بل ربما تخطيت هذا الوصف بقليل، ، فما بالك وأغلب الشباب اليوم من طبقات أقل من متوسطة، بل حتى الميسورين منهم يكون من الصعب جدا عليهم تحمل نفقات الجلسات النفسية خصوصا أنكم تؤكدون أن الجلسات يفضل أن تتم في سن صغيرة حيث يكون الشخص معتمدا بالكامل في نفقاته على أسرته، هل لك أن تدلني على كيفية تدبير نفقات الجلسات؟ و أرجو ألا يكون جوابك هو مصارحة الأهل ، لأن المثلي إذا كان قادرا على مواجهة الناس فلن يلجأ إلى تغيير نفسه من الأساس ، خصوصا إذ كان هدفه من تغيير نفسه أن يتجنب الحرج الاجتماعي-الفضيحة كما نلفظها هنا في مصر.

د\أوسم ،دعنا نستخدم الآلات الحاسبة لنرى تكلفة الجلسات المفترضة.في عامين أكثر من مائة أسبوع، و إذا حسبنا تكلفة الجلسة الواحدة ب 100 جنيه فإن العلاج يتكلف 10,000 جنيه ليبدأ المرء في تغيير تفكيره. 10 آلاف جنيه المفروض أن يدفعها شاب هو في الغالب بين ال18 و ال30 من عمره!!!و ذلك إذا افترضنا أن هذا الشاب لن يحتاج إلى أدوية مضادة للاكتئاب -و هو ملازم لأغلب حالات تغيير الميول الجنسية حسبما أعلم- وهناك بعض الأدوية التي توصف للمرضى تتطلب ميزانية أخرى، منها على سبيل المثال العقار المسمى بـ seroxat الذي وصفه لي طبيبي المعالج و الذي يتجاوز سعره 70 جنيه للعلبة الواحدة التي تحتوي على 20 حبة دواء!! و كل ماسبق يكون بافتراض أن الشاب لن يتعرض لأي انتكاسة طوال أول سنتين تجعله يعيد كورس العلاج من بدايته ، أو على الأقل إطالة أمده، و الانتكاسة محتملة جدا في حالات تغيير السلوك الجنسي-صحح لي معلوماتي لوكنت أخطأت.هل هذا منطقي ؟ هل بإمكانك أن تخبرني عن عدد المثليين الذين بإمكانهم تدبير هذه المبالغ خصوصا في ظل الارتفاع الرهيب في الأسعار الذي تعاني منه جميع الطبقات بلا استثناء؟و إذا تم لهم المراد و تحولت رغباتهم الجنسية، ألن يطلبوا الزواج؟من أين ستتوفر لهم إمكانات الزواج بعد دفع مبالغ جنونية في جلسات العلاج النفسي؟ أم سيضطرون إلى كبت غرائزهم الجنسية؟ ما الجديد إذا؟ و أرجوك ألا تخبرني أن الله سيقف معهم لأنهم أطاعوه ، فأنا أريد إجابات منطقية واضحة بعيدا عن اللعب بالأحاسيس الدينية

لاحظ أني كتبت كل ماسبق بافتراض أن الجلسات تجدي نفعا من الأساس.حاولت كثيرا مع طبيبي المعالج أن يعرفني بأحد هؤلاء الذين كانوا مثليين حتى يطمئن قلبي و حتى أجد التواصل و لا أشعر بنفسي وحيدا أمام نفسي، و لكنه رفض تماما مبررا رفضه بأنه أمر شديد الخصوصيةرغم أني لم أطلب أكثر من محادثة أو اثنين على الايميل بدون أن يكشف من أمامي شخصيته.

هل وضح الآن لماذا اعتبرت عبارتك" التغيير ممكن" دعاية إعلامية سياسية؟لأنها بكل بساطة غير منطقية و تتجاهل حقائق الواقع الاقتصادي ، و تلعب على أحلام الجماهير ! ألم يكن من قبيل الأمانة العلمية و احترام المتلقّي أن تذكر هذه المعلومات عندما تكتب لتقول" التغيير ممكن"؟أليس من حق كل شخص أن يدرك تكلفة التغيير المادية قبل أن يغرق نفسه في الأحلام ليفيق على صدمة اقتصاديةعند أول جلسة أو بعد عدة جلسات؟إلا إذا لم يكن-لديكم -اسمحلي- ما تقدمونه حقا و تطلبون هذا الاتزام الخرافي من باب وضع العقدة في المنشار ، مثلما يقوم أحد الدجالين بطلب القدم اليمنى لنملة سويدية حولة يتيمة الأم حتى يتحجج بعد ذلك أن الضحية لم يوفر الطلبات كما أمر الأسياد!!

من نوادر جحا أن الوالي طلب منه مرة أن يعلم حماره القراءة و الكتابة مقابل مبلغ كبير من المال على أن يعاقب جحا بشدة في حالة إخفاقه. فوافق جحا على هذا و اشترط أن يأخذ مهلة 10 سنوات يسأله الوالي بعدها. و عندما حاول الناس أن يبينوا له لامعقولية ما تم تكليفه به رد عليهم جحا : في خلال عشر سنوات، إاما أن يموت الوالي، أو يموت الحمار ، أو اموت أنا!!

مع كامل احترامي لشخصك
تامر سعيد