23 April 2008

شمس مصر

-هل أصبحت شمس مصر أكثر حرارة في السنوات الخمس الأخيرة؟أم انني -فقط- بدأت ملاحظة حرارتها الضاغطة في هذه السنوات؟ و هل يجوز وصف الحرارة بأنها ضاغطة؟ لا أعرف،و لكن كتبتها هكذا لأني مصاب الآن بصداع ضاغط نتج عن شمس مصر....

-كلما أصبت نفسي بهذا الصداع أحرص على عدم الحركة بقية اليوم ؛ فأي حركة ستغير ضغط الدم في شرايين مخي و سينتج عنها ضربات متتالية مع كل خفقة قلب. أفضل ان اجلس و بحواري كمية لا بأس بها من(الباراسيتامول) أو أي عقار يحتوي على كميات منه ،بالإضافة إلى برطمان النسكافيه و غلاية الماء. -من الضروري -عندما تصاب بالصداع- ان تبعد عن ناظريك أي شئ قد يرفع ضغط دمك ،مثل كتب العقاد و مصطفى محمود. حاول ان تبحث عن شئ فكاهي خفيف حتى لا تصاب بالملل من عدم مزاولة أي نشاط ،مقالات "ممتاز القط" مفيدة جدا في هذه الحالات(نصيحة مجرب). ابتعد أيضا عن أي نشاط جاد لأنك لن تتقنه في وجود هذا الاخطبوط الذي يضغط على عقلك....

-أنا لا أعرف لماذا أغرم بالسير تحت شمس مصر ،ربما هو حين ورثته عن جد لي كان من سكان أوروبا. الجينات عادة بلا عقل ،عمياء. عندما يغلق الرب أبواب الجحيم في نوفمبر اعمد إلى كشف جسدي امام المرأة ، فأرى التناقض الواضح بين الاسمر الغامق على ذراعي و وجهي ،و اللون القمحي الهادئ في بقية الجسد الذي لم يعرض للشمس. أظل طوال الشتاء أبحث عن التجانس اللوني ،و ما ان يعود مارس حتى أنقاد من جديد -بشكل قهري- إلى الانتحار تحت الشمس. بدأت افكر في اللجوء لطبيب نفسي ،ربما كنت اعاني من أفكار تسلطية من نوع ما...

-سرت ذات مرة لمدة ساعتين تحت شمس أغسطس في سفاجا-جنوب الغردقة. يومها كانت درجة الحرارة أقل من الخمسين بدرجتين مئويتين. لن أحكي عن الصداع التقليدي الذي اصبت به ،و لكن عندما عدت ليلا إلى الفندق وجدتني اشقر ، لقد احترق شعري! كانت بشرتي أصبحت بلون الشوكولاته ،و شعري جف و احترق لدرجة بدأت معها اشك اني اشم رائحة شياط من مكان ما. طبعا فشلت كل محاولات علاجه و اضطررت لحلاقته حتى ينمو من جديد....

-حلاوة شمسنا في الشتاء أمر مسلم به ،و لكن المشكلة ان شتاءنا المصري أقل من أربعة شهور: بعض من نوفمبر ، و كل ديسمبر و يناير و فبراير. كنت أعتقد -و أنا أصغر سنا- ان هناك شمسين تتصارعان على الظهور على المسرح: الاولى قوية الحرارة و الجسم تسيطر على أغلب شهور السنة ،و الاخرى أضعف هي شمس الشتاء. أكاد اجزم انه يستحيل ان تكون الاثنتان شمسا واحدة ،لا بد ان إحداهما ذكر خشن ،و الاخرى أنثى رقيقة حانية ،ذاك هو التفسير المعقول!

-سافرت ذات مرة في الصيف إلى احدى دول اسكندنافيا ، كانت الحرارة وقتها هناك 27 مئوية ،رائعة بالطبع بالنسبة للجحيم الصيفي في مصر. في أحد الأيام كنت على وشك ان استقل الحافلة العامة-الباص-فانهارت أمامي احدى الفتيات لتقع بين يدي ، اعتقدت انها ربما انبهرت بوسامتي الشرقية السمراء ،و خطر في بالي ان أوقظها كما ايقظ الفارس الجمال النائم ،و لكن السيدة العجوز بحواري اسرعت تنبهني قائلة: لقد أصبحت الشمس هنا جحيما لا يطاق ، أليس كذلك؟

-شمس مصر بالتحديد من أسباب الشيفونية المصرية الزائفة. يدعون في فيلم (غرام في الكرنك) ان الجو عندنا ربيع طول السنة ،كذب بواح بلا شك. الدول الفاشلة تبحث دوما عن شئ تحتمي به من انتقادات الآخرين و اتهاماتهم لها بالتخلف. اخترنا نحن حلاوة شمسنا و جمال شعبنا و خصوبة ارضنا لتكون مصدر الفخر لنا. كانت لليابان أيام تخلفها -قبل أقل من قرن و نصف- نفس المقولات بتطابق مذهل يجعلني أتفاءل اننا سنكون يوما ما في تقدم اليابان ،فقط نحتاج لامبراطور مراهق يريد التقدم بحق. اقرأوا معي من كتاب (الشمس المشرقة) لمصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني (القديم): "... فقد ملأ المعلمون اليابانيون كتبهم بتمجيد اليابان و تعظيمها و تفضيلها على بقية بلاد الأرض ، فجاء في كتاب (كاتوسوكي ايتسي) المنتشر بين تلاميذ المدارس الابتدائية ما ترجمته : ان ياباننا الكبيرة التي يحكمها إمبراطورها العاقل هي اسمى و ارقى من كافة بلاد العالم؛فطقسها بديع و لا يعرف أهلها الحرارة المؤلمة و لا البرودة القارسة. و الاشجار و الفواكه تنمو فيها بكثرة وافرة ،و الأرز و الحنطة و بقية الحبوب جيدة فيها ،و قد تحسن الشاي و التوت في بلادنا -و لو ان أصلهما من الصين- بفضل جفاف الأرض و لطف الطقس .... و قد قام الرسل و الأنبياء في البلاد الاخرى لتعليم الفضيلة للناس و لكن الناس لبثوا قاسيو القلب يشبهون الحيوانات الكاسرة ، اما اليابان فلم يأتها أحد من الرسل و الأنبياء ليعلم شعبها الأخلاق؛ لأن ارضنا و طقسنا يسمحان لكل إنسان ان يتحصل -بقليل من العمل- على الحبوب الضرورية للحياة ،و يوجدان في الرجال الدعة و الطيبة...." طبعا لم يعد أحد يردد هذه الأقاويل المضحكة في اليابان اليوم!

-للأسف لا يطلق المصريون النكات على الشمس ،ربما لأنهم رمزوا بها لالههم الكبير رع قبل دخول الأديان السامية إليها. الشمس كانت دوما من معبودات الإنسان القديم ،نذكر طبعا قصة بلقيس ملكة سبأ التي كانت تعبد الشمس ،فأمرها سليمان (الحكيم) ان تعبد الله الغير مرئي و إلا....و الا....! بل ان الملاحظة الوحيدة في عالم الحيوان على وجود نوع من الديانات كانت عبادة الشمس. فبعض القبائل التقليدية في مدغشقر تقول انه حين يرقد الليمور (نوع من القردة) على أفرع عالية في الصباح في مواجهة الشمس و عيونه مغمضة ،فإنه يعبد الشمس*. أنا لا أفهم كيف عبد البعض النجوم و الكواكب في وجود هذه الشمس الهائلة. بالتأكيد لديهم وجهة نظر قوية!!

-شمس مصر ارحم بالطبع من شمس دولة الكويت ،أو شمس جنوب تشيلي التي تصب جزيئات تسبب السرطان. و شمس مدينة بورسعيد أكثر أنوثة بالتأكيد من شمس أسوان. كانت لي أمنية غالية و أنا صغير ،لم تتحقق إلى الآن. كنت -و مازالت- اتمنى ان تنبت لي أجنحة كالطيور ، أهاجر صيفا إلى روسيا ،و شتاء اعود إلى مصر. كنت -بالمناسبة- أفسر (رحلتي الشتاء و الصيف) في سورة قريش على هذا الأساس.....!! *هذه المعلومة مأخوذة من كتاب "الحياة الوجدانية عند الحيوانات" تأليف جيفري ماسون و سوزان ماكارثي