09 April 2008

الحرية النقية

-هناك اعتقاد راسخ من جانب أبناء كل ديانة ان الدين الذي ينتمون اليه يحقق كل معاني الحرية و العدالة و المساواة ، و ليس الأمر مقصورا فقط على أبناء الديانات المختلفة ،بل يتعداه إلى مختلف الايديولوجيات و القوالب الفكرية المصمتة.و لكن تجد المخالفين للدين أو الفكرة المؤدلجة يعارضون هذا الاعتقاد و يؤكدون -بأدلة تدحض أدلة المؤمنين - ان هذا الدين و هذه الفكرة تعادي الحرية أو تتناقض مع العدالة،و نجد أنفسنا قد تهنا وسط هذا الزحام من الاتهامات المتبادلة،و تجد نفسك تتساءل:أيهما أصح؟!

-أنا ارى ان كلا من الرأيين صحيح إلى حد ما.كيف هذا؟و هل للحقيقة وجوه أخرى؟!

-لقد اتى كل دين بمفهوم معين و محدد عن الصواب و الخطأ ،و رسم صورة واضحة لتصوره عن العدالة و المساواة ،و وضع سقفا عند حد معين من الحرية ، أي انه رسم للإنسان طريقا و قال في :هذه هي الحرية ،هذا هو العدل ،هذي هي المساواة ،و بالتالي عندما تجادل أحد المتدينين في شأن انتقاص هذا الدين من حرية افراده تجده ينتفض ليؤكد ان الدين وفر في الحرية الكاملة ،و هو هنا ليس بمعزل عن الصواب ، فالحرية الكاملة في نظر المتدين ، أو الحرية التي يستحقها، هي تلك الممنوحة له من قبل الدين ،و هو يعتبر ان تعدي سقف الحرية الممنوح له عبارة عن انفلات و فوضى ،و ليس ابدا حرية.

-المشكلة إذا تكمن في تحديد معنى للحرية و صبه في قوالب معدنية بحيث تصبح غير قابلة للتحور بعد ذلك ، تصبح غير قابلة للتشكل حسب حاجة أفراد المجتمع و حسب التطور الذي يحدث فيه ، بمعنى آخر : المشكلة هي احتكار معنى الحرية في قبل الدين أو الفكرة المؤدلجة و فرضها على الناس.
-إذا ما الحل؟ الحل هو كسر الاحتكار بتعدد الأفكار في المجتمع الواحد بحيث يصبح للفرد بدائل إذا لم يظن ان هذا التحديد للحرية يناسبه.

-المشكلة الكبرى هنا ان البعض يرى ان تعدد الأفكار عن الحرية هو شئ يتجاوز الحرية، يقولون انه فوضى، و بالتالي ينبغي عدم السماح به.و هكذا حال مجتمعاتنا العربية حيث تم احتكار المعاني ،و تم تحديد معنى للحرية بما يحقق مصالح فئات معينة -سواء كانت مصالح دينية أو دنيوية- و بدون الالتفات إلى حق بقية أفراد المجتمع في الحياة بحرية كما يتصورونها.

-و بالتالي ، أعتقد ان المهمة الاولى لمن يدافع عن الحرية هي مواجهة هذا الاحتكار ،و هذه الوصاية الفكرية في المجتمع العربي ،و اقناع الناس ان هناك معان أخرى للحرية أكثر قدرة على الافادة. ان الأمر أشبه بمجموعة من البشر محبوسين في مساحة صغيرة من الأرض حولها سور ، و قيل لهم :خلف السور ألغام من كل اتجاه .كل ما يحتاجه هؤلاء هو ان يقنعهم أحدهم ان الألغام وهمية ، و ان يريهم هذا بنفسه ، فيخرج عن السور ،و عندما لا يصيبه اذى سيدرك الناس انه ليس هناك ألغام حقيقية ، و ان خلف السور حياة ارحب و اغنى و أكثر كرامة من سجنهم الذي سجنوا فيه بوهمهم.

-معنى الحرية في كل دين و في كل فكرة مختلف ،و بالتالي إذا ما اردت ان تجادل واحدا فلا تقول :دينك ضد الحرية ،بل جادله في معنى الحرية و جدواها و الهدف منها، أي: لماذا ينبغي ان تكون هناك حرية؟ و على قدر الاجابة يكون معنى الحرية.

- لماذا إذا ينبغي ان تكون هناك حرية؟ قد يجد البعض هذا السؤال صعبا و إجابته مستحيلة أو نسبية ،و ان كنت أعتقد ان الاجابة ممكنة. اتذكر الآن عبارة للفيلسوف الأمريكي اريك فروم من كتابه (الخوف من الحرية) :"......اننا لسنا متأكدين دوما أي طعام هو صحي و أيها ليس صحيا ،و مع هذا لا يستنتج انه ليست أمامنا أي وسيلة نميز بها السم.بالطريقة نفسها يستطيع ان نعرف -إذا أردنا- ما هو الذي يسمم الحياة العقلية . اننا نعرف ان البؤس و الرعب و العزلة موجهة ضد الحياة ،و ان شئ يخدم الحرية و يطور الشجاعة و القوة ليكون الإنسان نفسه هو من أجل الحياة. ان ما هو خير و ما هو شر بالنسبة للإنسان ليس مشكلة ميتافيزيقية ،بل مشكلة تجريبية يمكن الجواب عليها على أساس تخيل طبيعة الإنسان و التأثير لبعض الظروف عليه..."

-نعم، بامكاننا -إذا اردنا - ان نميز بين ما هو ضد الحياة مما هو في صالحها ،و بالتالي يمكن ايجاد معاني أكثر حيوية -ان جاز التعبير- للحرية .اننا نعرف ان القيود على التفكير باسم الدين أو القومية أو المجتمع هو أمر ضد الحرية ، و أي قيود على التعبير-حتى لو كان باسم الحرية- هو ضد الحياة و ضد الحرية ،و أي قيد على حرية الإنسان الشخصية هو قيد على التعبير عن فرديته و استقلاله و بالتالي هو ضد الحرية و ضد الحياة. ان بامكاننا إذا نحينا التعصبات الايديولوجية جانبا ان ندرك ان الحرية لها ان تتمدد في مساحات أكبر مما تشغله حاليا ، سواء في مجتمعاتنا العربية أو في الغرب ،و بدون أي خوف من الفوضى أو الانفلات ،بل اني أزعم ان الحرية النقية هي الضمان الحقيقي و الوحيد ضد الانفلات و الهمجية ، هذه الحرية لم تتحقق حتى الآن في التاريخ البشري ،و هي الأمل و اليوتوبيا التي يتمناها كل إنسان يعي جيدا قيمة انتمائه للجماعة الانسانية.